- من أجمل العلاقات الإنسانية هي العلاقة بين الأستاذ وطالب العلم، إذ تؤثر على سلوك الطالب فتغير بوصلة حياته كلها نحو مسلك العلماء وسير الأولياء، إذ ترفع طالب العلم ارتفاعاً معنوياً في مجتمعه بسبب مكانة العلم في المجتمع، وتُعلي مقامه في أخراه بسبب صحبة أستاذ عالم شيخ عنده بصيرة دله على طريق مستقيم طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والعلماء والأولياء والصالحين.
- ومن أرقى العلاقات بين الأستاذ وطالب العلم هي علاقة الأدب، والأدب هو أعلى درجات الأخلاق الذي ينظم سلوك طالب العلم مع أستاذه على أكمل وجه وأتم معنى في تطبيق محاسن الأخلاق. وقد جاء الرسولﷺ بالأدب العالي الرفيع وهو أعلى خلق لكي يوجه البشرية إلى أحسن الأخلاق، فقد ورد عن رسول اللهﷺ أنه قال: " إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق " [رواه أحمد]
- فالأدب هو من البر، والبر هو حسن الخلق كما ورد في حديث رسول اللهﷺ : "البر حسن الخلق" [رواه مسلم] فطالب العلم هو خير من يتحلى بالأدب الذي هو أعلى درجات الأخلاق، والأدب هو خير كله، فالأدب زينة طالب العلم في حله وترحاله ، وأحسن الأدب حسن الأدب.
- والأدب نوعان:
- النوع الأول: جبلي بمعنى أن الله طبع الإنسان عليه،
- النوع الثاني: اكتسابي بمعنى أن الإنسان يتطبع به من خلال التعلم وترويض نفسه عليه.
- والأدب في العادة يُكتسب اكتسابا وينتسخ انتساخاً ويتعلم تعلماً نظرياً وتطبيقياً حتى يصير سلوكاً متأصلاً في طالب العلم، ويصبحَ سجية من سجاياه فكما أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم والصبر بالتصبر كذلك الأدب بالتأدّب، وأما الأدب الجبلي قد يكون في المرء أو في طالب العلم بعض خصال الآداب الفطرية أي فطره الله عليها، فقد ورد أن رسول اللهﷺ قال للصحابي الأشج عبد القيس: "إن فيك خُلّتين يحبهما الله الحِلم والأناة" . قال: يا رسول اللهِ، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال: "بل الله جبلك عليهما" . قال : (الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله) [رواه أبو داود].
- فمن استكشف حاله ورأى في ذاته صفات أدبية فليحمد الله على ذلك، وليسأل ربه الثبات على ذلك، والزيادة من الأدب، ولكن هذا يقلّ ويندر بين الناس وبين طلبة العلم لأن هناك خصالاً أدبية كثيرة ذات تفاصيل لا تكون إلا بالاكتساب من مؤدب ومن صحبة صالحة، ولا تكون إلا بالتدرب عليها تدريباً تزكوياً، ولا تكون إلا بممارستها بجهد يقاوم هواه.
- كم أنت -يا طالب العلم- بحاجة إلى الأدب في سيرك في طلب العلم وخاصة مع معلمكَ وأستاذكَ وشيخك، ففي زماننا نجد علماً ولا يوجد معه أدب، فنجد النفع الروحي ضئيل لا نكاد نحصل عليه، فالعلم كالجسد والأدب كالروح، فمن كان عنده علم بلا أدب كمن كان عنده جسد بلا روح، ومن جمع بينهما فقد تذوق لذة العلم وحقيقته.
والحمد لله رب العالمين