تعال يا طالب العلم وأمسك بيدي حتى آخذك إلى عالم مضيء
تعال يا طالب العلم ودع القيل والقال
تعال يا طالب العلم وافتح بصيرتك فإنك سترى الجمال
تعال يا طلب العلم إلى من يفتح لك نوافذ النور
تعال يا طالب العلم واقترب فإن المعلم الأكبر صلى الله عليه وسلم قد ترك لك خريطة لتوصلك إلى عالم النور
كم تعاني يا طالب العلم في مسيرتك العلمية، وتحمل أثقالاً معنوية من فقر روحي في كثير من الأحيان، وكأنك انسلخت عن معدن النور عن جلساتِ العلم وروضات الجِنان بسبب انشغالاتك في أمور دنيوية تجعلك تشعر بهذا الإحساس -وهو الهبوط الروحي أو الفتور-!!
وهذا بدَهي في الإنسان إذ إنه لا يبقى على حالة واحدة، ودوام الحال من المحال، فالمتغيرات السلبية والإيجابية ملازمة للإنسان بحسب القانون الكوني الخاضع إليه البشر.
تعال يا طالب العلم وانظر كيف عالج الرسول المعلم الأكبر ﷺ هذه المعاناة التي تحصل للمداومين عنده من الصحابة رضي الله عنهم في جلساته المعرفية والوعظية، وهم يُعدون من رواد طلاب المعرفة، بل يعتبرون في أعلى درجة في طلب العلم في عهد النبوة.
تبدأ حكاية المعاناة مع صحابيين جليلين، - وهما ممن يعرف القراءة والكتابة، وهذا يعتبر أنهما من المرتبة الأولى في العلم في ذاك الزمان، بل منحهما الرسول ﷺ رتبة كتبة الوحي، ولا ينالها إلا أمين صادق،
أما الأول فهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وأما الثاني فهو حنظلة ابن الربيع المشهور بحنظلة الكاتب رضي الله عنه – شكيا إلى رسول الله ﷺ معانتهما بأنهما يكونان عنده فيذكرهم بالجنة والنار، فكأنهما يُكشَف لهما أفقُ الغيب فيشاهدان منظر سعادة النعيم الأبدية، ومنظر التعاسة الأزلية، فيمتليء قلبهما بقوة الرجاء وبشدّة الخوف بسبب استحضار القلب وقوة اليقين، فيتأثران تأثراً تعلو روحهما ويصفو قلبهما، فإذا خرجا من عنده ﷺ، وانصرفا إلى أشغالهم الحياتية من حقوق الأولاد والزوجات وغير ذلك، فشعرا بغياب الحضور الذي يشعرانه مع حضرة رسول الله ﷺ في المجالس المعرفية والوعظية المتلقاة عنه، ففي مجلسه ﷺ قوة يقظة وخارجه قد تكون غفلة مباحة يتعرض لها المؤمن فخافا على نفسيهما أن يكون ذلك نفاقاً.
فقد سكّن الرسول المعلم ﷺ من رَوعِهِما، وأزاح وسوسة النفاق من صدرهما، وفتح لهما طبيب القلوب المعلم الأكبر ﷺ نوافذ النور، وأعطاهما مفتاحاً روحياً لو استخدماه لكُشِف لهما عالم الملائكة وانخرق لهما حجاب الغيب: "لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" [الترمذي، ح 2514].
إن المعادلة الروحية هي الشعور الحضوري بالغيب والمداومة عليه في مجالس العلم وخارجه تعطيان نتيجة مصافحة الملائكة في المجالس والطرقات والفرش. وقامت هذه المعادلة على أركان أساسية:
(1) المعلم الحقيقي الذي يذكر بالغيب (الآخرة مثلاً)
(2) والطالب المتلقي المتصف بالشعور الحضوري والمداومة في مجلس الذكر(العلم) وخارجه.
إنَّ المعاناة التي مرت بهذين الصاحبين الجليلين هي إشارة من الله إليهما، حتى تظهر النعمة الروحية من خلال نقيضها، فلا يمكن ياطالب العلم أن تعرف اليقظة على حقيقتها حتى تعرف الغفلة، ولا الشهود حتى تعرف الغيبة، ولا الفرح حتى تعرف الحزن، ولا الكرم حتى تعرف البخل، فالأشياء تعرف بأضدادها.
وبما أن طالب العلم الحقيقي متفرغ تقل لديه الانشغالات فلا زوجة ولا أولاد ولا مسؤولية اتجاه الآخرين، فهو مرشح أكثر من غيره لنيل هذه الرتبة في مصافحة الملائكة أو ما شابه ذلك، لأن إمكانية المداومة على الشعور الحضوري في مجالس الذكر وخارجه متاحة أكثر من غيره من طلبة العلم التي كثرت انشغالاتهم.
إنها فرصة لك عظيمة يا طالب العلم اغتنمها، ولا تخسرها بإضاعة الوقت وبالقيل والقال والمجادلات المتعبة للقلب، وبالهوى الذي يأسرك ويمنعك من الخروج إلى الفضاء النوراني.