والملفت للنظر أن الحديث الذي رواه حنظلة، وقد وجه الرسول ﷺ الخطاب له: ولكن ياحنظلة ساعة وساعة. ولم يوجهه إلى أبي بكر رضي الله عنه لأنه - والله أعلم – سيرى جبريل عليه السلام، وها قد رآه كما يظهر متمثلاً بصورة إنسان غير معروف لديهم شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب، والملاحظة الاستغرابية من المُحْدَث الملهم بالصدق بأنه لا يُرى عليه أثر سفر، هي العلامة الغامضة التي توضحت بعد ذلك بأنه جبريل عليه السلام  جاءكم يعلمكم دينكم، فقد زار رئيس الملائكة عليه السلام معلماً بعض الصحابة في مجلس رسول اللهﷺ  ورأوه عياناً. أما حنظلة فلم يرو أنه رأى الملائكة في ظاهر الأمر.

النموذج الثاني: 

  ورد أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: (من هذا؟). أو كما قال، قالت: هذا دحية، فلما قام، قالت: والله ما حسبته إلا أياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل.

فكان جبرائيل عليه السلام يأتي رسول الله ﷺ في صورة الصحابي الجليل دحية الكلبي رضي الله عنه ، أي يتمثل بصورته، فمن الصحابة التي رأت جبريل عليه السلام أم سلمة زوجة النبي ﷺ عياناً، وقد رآه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أيضاً متمثلاً بدحية كما يُروى في بعض الروايات، فمنهم حارثة بن نعمان رضي الله عنه، فقد قال: رأيت جبريل من الدهر مرتين : يوم الصورين حين خرج رسول الله إلى بني قريظة، مر بنا في صورة دحية ، فأمرنا بلبس السلاح، ويوم موضع الجنائز حين رجعنا من حنين، مررت وهو يكلم النبي ﷺ فلم أسلم . فقال جبريل : من هذا يا محمد ؟ قال : حارثة بن النعمان . فقال : أما إنه من المائة الصابرة يوم حنين الذين تكفل الله بأرزاقهم في الجنة ، ولو سلم لرددنا عليه

ولعله عند تتبع روايات رؤية الصحابة رضي الله عنهم لرئيس الملائكة جبريل عليه السلام يمكن لنا أن نستنتج أن رؤيته لم تكن مجرد شيء عابر بل فيه من البركات الخاصة والأنوار التي أعطاها الله للصنف الملَكي مما يتأثر به الرائي تأثراً نورانياً، وكل من يراه لاشك أنه يخص بشيء عظيم، وليس هناك أفضل من التخصيص في المجال العلمي والمعرفي. 

فهذه الصحابية العظيمة وهي زوجة خير خلق الله ﷺ أم المؤمنين أم سلمة التي رأت جبريل كانت قد روت الكثير من الروايات عن رسول الله ﷺ، إذ تعد في المرتبة الثانية في رواية الحديث بعد أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها الراوية الأولى التي لاينازعها عليها أحد من النساء، إذ روى عن أم سلمة رضي الله عنها جمع من الصحابة والتابعين، ولها جملة أحاديث قدربثلاثمائة وثمانية وسبعين (378) حديثًا.

وقد تربعت السيدة أم سلمة رضي الله عنها على سدة الرواية والفتيا لكونها آخرمن تبقى من أمهات المؤمنين، إذ جمعت بين الأحكام في العبادات في الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والتفسير والآداب والأدعية والفتن، وهذا ينم على قوة الحافظة وعلى اهتمامها بالعلم ونشره.